لا علاقة لتقلبات المزاج بشخصية الإنسان، إذ يمكن أن تنجم هذه التقلبات عن أمراض عضوية ومشاكل صحية.
فسرعة الغضب، وتقلبات في المزاج، وصعوبة في التركيز... من منا لم يعرف نوبة أو نوبات عدة من هذا النوع في حياته؟ تعتبر هذه الأعراض تافهة وغير مقلقة إذا كانت عَرَضية ولم تدم طويلاً، لكنها تصبح مزعجة،
لا بل معيقة للذات والمحيط، إذا كانت دورية ومنتظمة. في هذه الحالة، يجب اللجوء فوراً إلى الطبيب المعالج
بالفعل، يمكن أن ترتبط السرعة في الغضب بمشاكل صحية هرمونية ونسائية (تناذر ما قبل الطمث، اكتئاب ما بعد الولادة، مرحلة ما قبل سن اليأس...)، أو مرض في الغدة الدرقية، أو اكتئاب موسمي، أو خلل في التوازن الغذائي. كما تعزى السرعة في الغضب أحياناً إلى التهاب أو إلى تأثير جانبي لدواء معين.
تذكر دوماً أن تقلبات المزاج هي عارض مثل بقية الأعراض، ومن المهم إيجاد السبب لمعالجته بالدواء النافع واستعادة الهدوء الطبيعي
يحتدم نشاط الأعضاء ويحصل فرط في عمل الغدة الدرقية. في الحالة المعاكسة، يعمل الجسم ببطء ويتم الحديث عندها عن قصور في عمل الغدة الدرقية.
# الغدة الدرقية
تؤثر الغدة الدرقية في المزاج، ونمو الشعر، وخفقان القلب... تشيع كثيراً التقلبات في عمل الغدة الدرقية عند المرأة، خصوصاً في سن البلوغ، وأثناء الحمل وفي مرحلة ما قبل سن اليأس. فحين تفرز الغدة الدرقية الكثير من الهرمونات،
في كلا الحالتين، يحصل قدر كبير من الاضطراب والتوتر والسرعة في الغضب، إضافة إلى ردات فعل اكتئابية سريعة في حال الفرط في عمل الغدة الدرقية،
وتباطؤ إجمالي ومشاكل في الذاكرة في حال القصور في عمل الغدة الدرقية. في هذه الحالة، تبرز الحاجة إلى جرعة من الهرمون الدرقي (t3 أو t4)، حسب توصيات الطبيب.
واللافت أن القصور في عمل الغدة الدرقية هو الأكثر شيوعاً، علماً أنه قد يرتبط بخلل في عمل الغدة الدرقية أو بخلل في مناعتها. في هذه الحالة، تبرز الحاجة إلى تناول هرمونات بديلة.
وبالنسبة إلى الفرط في عمل الغدة الدرقية، قد تنجم عن أجسام مضادة تحفز إنتاج الهرمونات أو عن وجود أورام أو حتى تضخم في الغدة الدرقية. ثمة علاجات عدة ممكنة،
أبرزها تناول الأدوية المضادة للغدة الدرقية التي تمنع إنتاج هرمونات درقية جديدة بحيث يعود المستوى إلى طبيعته. يمكن اللجوء أيضاً إلى الجراحة (استئصال جزئي للغدة الدرقية)، أو اليود الإشعاعي الذي يؤثر قفي الأورام الدرقية المفرطة النشاط.
# الأرق ومشكلات النوم
نعلم جميعاً أن قلة النوم هي سبب رئيسي للمزاج السيئ والسرعة في الغضب، أو حتى الاكتئاب. وإذا حصلت قلة النوم 3 مرات في الأسبوع، يجب مراجعة الطبيب لأن الأرق يكون متأصلاً في هذه الحالة.
إنها مشكلة شائعة كثيراً وخاصة عند النساء، ويجب معالجتها بدقة وعناية. قد ينجم الأرق عن أمراض عدة، مثل الفرط في عمل الغدة الدرقية، أو داء الربو، أو الاكتئاب...
يمكن معالجة الأرق بالأدوية وبتقنيات أخرى، مثل الاسترخاء والعلاج النباتي وإتباع بعض النصائح البسيطة للنوم: الاستيقاظ في وقت محدد كل يوم والخلود إلى النوم عند أول علامات النعاس،
وممارسة التمارين الرياضية في الصباح، وتحسين البيئة (ستائر حاجبة للضوء، حرارة الغرفة بين 18 و20 درجة مئوية، فراش مريح، نوافذ عازلة للصوت...).
# الحمية الغذائية
يمكن لأي خلل في التوازن الغذائي أن يؤثر في الجسم البشري، ما يسبب اضطرابات جسدية (تعب) ونفسية، مع تقلبات في المزاج. والمؤسف أن الخلل في التوازن الغذائي يتفاقم في الحميات الغذائية المنحفة الهادفة إلى تخفيض الوزن. هكذا، يفتقد الإنسان غالباً إلى (التريبتوفان)، ذلك الحمض الأميني الموجود في اللحوم والبيض ومشتقات الحليب. والمشكلة هي أن الجسم البشري بحاجة إلى سكريات للتأثير في إفراز (السيروتونين)، الناقل العصبي المسؤول عن الحالة العاطفية، في مستوى الدماغ. لذا، يمكن لطبق خفيف من الحلوى بالحليب أن تؤثر إيجاباً في المزاج.
أما مجموعة الفيتامينات b والعناصر المغذية الأساسية التي تؤثر في الدفق العصبي فلها أيضاً تأثير في المزاج. فثمة عناصر موجودة في الأطعمة الحيوية (مثل الموز والحبوب....) التي تمتنع النساء غالباً عن تناولها خشية حصول زيادة في الوزن. لذا، لا ضير أبداً في تناول مكعب من الشوكولا أو القليل من المكسرات حين تكون المعنويات في الحضيض. لا يفترض بهذه الكمية الضئيلة من الأطعمة أن تسبب زيادة في الوزن. وبالنسبة إلى الزنك، فهو موجود بوفرة في ثمار البحر مع أحماض أمينية أخرى تؤثر في الأستيلكولين، الناقل العصبي المحفز للاسترخاء. ولا ننسى طبعاً أهمية الفيتامين b9 الموجود في الخضار والسمك.
# هرمونات هرمونات...
يرتبط إفراز الهرمونات النسائية بالعواطف، والعكس هو الصحيح أيضاً. لهذا السبب، يمكن للتقلبات الهرمونية أن تؤثر بشكل مباشر في الطباع. هذه هي حال تناذر ما قبل الطمث، المرتبط بانخفاض مستوى البروجسترون أثناء الدورة الشهرية.
يتوقف هذا التناذر عند حصول الطمث، وإنما يعود مجدداً فور بدء الإباضة عند بعض النساء، فيما يحصل قبل 3 إلى 5 أيام من موعد الطمث عند نساء أخريات.
يؤكد الأطباء أن هذه المشكلة تعزى إلى نقص في البروجسترون. لكن إذا كانت مَرَضية في تناذر ما قبل الطمث، فإنها تعتبر فيزيولوجية في بداية ونهاية النشاط المبيضي. عند سن البلوغ، يبدأ المبيضان بإفراز أوستروجينات فقط.
وطوال أشهر عدة، تجد الفتيات الشابات أنفسهن في حالة من فرط الاستروجينات بفعل غياب البروجسترون. وفي مرحلة ما قبل سن اليأس، يحصل الشيء نفسه إذ يتوقف المبيضان عن إنتاج البروجسترون وإنما يفرزان استروجينات.
يؤدي هذا الخلل في التوازن الهرموني إلى حصول حالة قلق أو إلى عدم القدرة على ضبط التوتر، ما يؤثر بدوره في الإفرازات الهرمونية عبر بعض الناقلات العصبية في الدماغ التي تؤثر في المبيضين... باختصار، إنها حلقة مفرغة.
يضاف إلى ذلك عدد من العلامات الأخرى، الجسدية هذه المرة: أوجاع في الثديين، انتفاخ، صداع شقيقة، آلام في البطن أثناء تناذر ما قبل الطمث. للتخفيف من وطأة هذه العلامات، يكون العلاج هرمونياً بالدرجة الأولى.
يصف بعض الأطباء العلاج البديل للهرمونات المخصص لسن اليأس، فيما يوصي أطباء آخرون بالعلاجات الطبيعية، مثل العلاج بالنباتات أو العلاج المثلي.
# الضوء والحركة
إذا لاحظت أن تقلبات المزاج تخف لديك حين يصبح النهار أطول خلال فصليّ الربيع والصيف، يعني ذلك أنك مصابة بالاكتئاب الموسمي المرتبط بقلة الضوء خلال الشتاء. يمكن معالجة هذه المشكلة بالضوء العلاجي (10 آلاف لكس على الأقل قوة المصباح العلاجي).
ابتعد مسافة 40 سم على الأقل عن المصباح العلاجي، وتعرض له لمدة نصف ساعة كل صباح، بدءاً من أول أيام الخريف. سوف تشعر بالتحسن بدءاً من اليوم الثالث أو الرابع. وإذا عانيت من أوجاع الرأس، راجعي الطبيب.
من جهة أخرى، تبين أن التمارين الجسدية تطلق في الدماغ أندورفينات، تولد حالة من الإبداع والسعادة في الإنسان. لهذا السبب، يكفي ممارسة 15 إلى 20 دقيقة من التمارين الجسدية كل يوم، ويستحسن تنويع النشاطات وتكييفها مع أوقات الفراغ لتكون مصدراً للراحة وليس للقلق.
No comments:
Post a Comment