Slide Ads

Monday, January 2, 2012

ذهاب الشيخ رفاعة الطهطاوي إلي باريس بقلم: د. محمد عمارة

ذهاب الشيخ إلي باريس

بقلم: د. محمد عمارة



كان*محمد علي*باشا‏*[1184‏ـ‏1265‏هـ ‏1770‏ــ‏1849‏م‏]‏ القائد لبناء دولة مصر الحديثة. ولذلكلقبوه ب"ولي النعم".. وكان*رفاعة الطهطاوي*[1216ــ1290هـ 1801ــ1873] رائد الفكروالثقافة للأمة في مصر والشرق بالعصر الحديث..*ولذلك وصفه*أمير الشعراء أحمد شوقي(1285ــ1351هـ 1868ــ1932م)*بأنه أبوالشعب المصري*، فقال في الثناء علي*ابنه*:
يابن من أيقظت مصرا معارفه.. أبوك كان لأبناء*البلاد أبا

كان*الشيخ رفاعة*أنجب تلاميذ العالم المجدد*شيخ الاسلام حسن العطار(*1180ــ1250هـ 1766ــ1835م), الذي رشحه إماما للبعثة المصرية التي ذهبت لطلب العلوم*المدنية في باريس سنة 1826م, فشرع*الطهطاوي*في تعلم الفرنسية منذ أن وطئت قدمه أرض*السفينة التي أقلته من الاسكندرية إلي مرسيليا.. ودرس علوم النهضة الأوروبية- كما*رآها في باريس، والتحق بصفوف البعثة طالبا للعلم، وتخصص في الترجمة، ودون مشاهداته*في باريس بكتابه:*( تخليص الإبريزفي تلخيص باريز).*وعاد إلي مصر سنة 1831م*ليكون*إمام علوم التمدن المدني والتجديد الديني*منذ ذلك التاريخ وحتي هذه اللحظات.

وفي*باريس ــ ورغم الفارق بين عزلة مصر العثمانية والازدهار الحضاري في فرنسا ــ*لم*يندهشالطهطاوي*بما رأي، وإنما أعانه تكوينه الأصولي في الأزهر الشريف علي أن يميز*في النموذج الحضاري الغربي بين الإيجابيات والسلبيات:

<**لقد رأي في فرنسا*ازدهار علوم التمدن المدني، التي يتأسس عليها تقدم الوطن، والتي تهتم بالمقاصد، وليس فقط بالوسائل والآليات ــ كما هو الحال عندنا*في ذلك التاريخ ـ*فكتب يقول:وسيظهر فضل هؤلاء النصاري في العلوم عمن عداهم، وبذلك تعرف خلو بلادنا من كثير*منها، وأن الجامع الازهر المعمور- بمصر القاهرة، وجامع بني أمية- بالشام، وجامع*الزيتونة- بتونس، وجامع القرويين- بفارس، ومدارس بخاري، ونحو ذلك.. كلها زاخرة*بالعلوم النقلية، وبعض العلوم العقلية: كعلوم العربية، والمنطق، ونحوه من العلوم*الآلية.*وخالية من*العلوم الشريفة التي ينتفع بها، ويحتاج إليها في الدولة والوطن:*كعلم الطب، والهندسة، والرياضيات، والفلكيات، والطبيعيات، والجغرافيا، والتاريخ، وعلوم*الإدارة، والاقتصاد في المصاريف، والفنون العسكرية، وكل ماله مدخل في فن أو*صناعة.

وامتدح*الطهطاوي*ــ عند أهل باريس ـ إطلاق لقب العلماء علي أهل التمد، وليس فقط علي علماء الدين ـ كما هو الحال عندنا ـ وتحدث عن الثورة الباريسية التي*شاهدها، وعن الحرية والدستور ـ الذي كان غريبا عن الحكم الشرقي في ذلك التاريخ ـ*كما شاهد المسرح، ورأي فيه مدرسة لتربية الشعوب.

<**وإلي جانب هذه الايجابيات*ــ في النموذج الحضاري الغربي ــ انتقد*الطهطاوي*ما في هذا النموذج من سلبيات..*انتقد الفلسفة الوضعية المادية- التي تعزل العقل عن الشرع، فلاتؤمن بالغيب والوحي*والدين..*وقال عنها: ولهم في الفلسفة حشوات ضلالية مخالفة لكل الكتب السماوية.. فهممن الفرق المحسنة والمقبحة - بالعقل وحده، أو من الاباحيين الذين يقولون ان كل عمل*يأذن فيه العقل صواب، ولذلك فهم لا يصدقون بشيء مما في كتب أهل الكتاب لخروجه عن*الأمور الطبيعية.

انتقد*الطهطاوي*هذه الفلسفة الضالة، وأعلن عن موقف الاسلام*الجامع بين العقل والشرع،*فقال: إن تحسبن النواميس الطبيعية لا يعتد به إلا إذا*قرره الشرع.. وليس لنا أن نعتمد علي ما يحسنه العقل أو يقبحه- إلا إذا ورد الشرع*بتحسينه أو تقبيحه.. فكل رياضة لم تكن بسياسة الشرع لا تثمر العاقبة الحسني..*فينبغي تعليم النفوس السياسة بطرق الشرع، لا بطرق العقول المجردة.
<*وأشار*الطهطاوي إلي ما رآه في باريس من معادلة غريبة.. فلقد رأي علوما مزدهرة تشرق شموسها*علي المجتمع..*كما رأي تهميشا للدين وانتشارا للزندقة بسبب الفلسفة المادية الوضعيةالتي عزلت أهل باريس عن دين النصرانية.. وصاغ هذه المعادلة الغريبة.. شعرا أو نثرا*ـ*قال فيه:

أيوجد مثل باريس ديار.... شموس العلم فيها لا تغيب
وليل الكفر ليس*له صباح... أما هذا, وخفكم, عجيب؟!

فهذه البلاد مشحونة بكثير من البدع والفواحش*والضلالات، وإن كانت من أحكم بلاد الدنيا في العلوم.. وإن*أكثر أهلها ليس لهم من*دين النصرانية إلا الاسم فقط، فلا يتبعونه، ولا يغارون عليه.

<**ولقد ظل*الطهطاوي*ــ طوال تاريخه الفكري ــ وفيا لهذا الموقف المتوازن إزاء النموذج الحضاري*الغربي.. فلقد أشرف علي ترجمة علوم التمدن المدني ـ العلوم الطبيعية وتقنياتها ـ فيذات الوقت الذي اشتغل فيه بإحياء كنوز التراث الاسلامي، ودعا إلي تقنين فقه الشريعةالاسلامية.. ليكون قانون الأمة في التشريع والقضاء.. وعندما بدأ تسلل القانون الفرنسي*ــ الوضعي العلماني ـ إلي المواني التجارية المصرية ـ في ركاب التجار الأجانب ـ*علي*عهدالخديوي سعيد*ـ في بدايات النصف الثاني من القرن التاسع عشر ـ رفض*الطهطاوي*هذا*الاختراق العلماني لمنظومتنا القانونية الاسلامية، ونبه علي وفاء فقه المعاملات*الاسلامي بكل ما تحتاجه حياتنا الاجتماعية..*وكتب يقول: إن المعاملات الفقهية لو*انتظمت وجري عليها العمل لما أخلت بالحقوق، بتوفيقها علي الوقت والحالة. ومن أمعن*النظر في كتب الفقه الاسلامية، ظهر له أنها لا تخلو من تنظيم الوسائل النافعة من*المنافع العمومية، حيث بوبوا للمعاملات الشرعية أبوابا مستوعبة للأحكام التجارية:*كالشركة، والمضاربة، والقرض، والمخابرة، والعارية، والصلح، وغير ذلك.

وأعلن*الطهطاوي*عن أن الشريعة الاسلامية لا تحتاج إلي بديل، وإنما تحتاج إلي التجديد،*والتقنين الحديث.وقال كلماته الجامعة: إن بحر الشريعة الغراء- علي تفرع مشارعه- لم يغادر من أمهات المسائل صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وأحياها بالسقي والري ولم*تخرج الأحكام السياسية عن المذاهب الشرعية, لأنها أصل, وجميع مذاهب السياسات عنها*بمنزلة الفرع.
ولقد ظل*تلاميذ*الطهطاوي*ــ*وفي مقدمتهم*محمد قدري باشا*(1237ـ1306هـ 1821ـ1888م] يجاهدون ضد علمنة*القانون ـ حتي بعد الاحتلال الانجليزي لمصر سنة 1882م.. والبدء بعلمنة القانون سنة*1883م..*فقام*قدري باشا*بتقنين فقه المذهب الحنفي،*ليكون بديلا لقانون*نابليونالذي*فرضه الاستعمار.

هكذا ذهب*الشيخ رفاعة*الي باريس، محتفظا بتوازنه الفكري، فميز*في حضارتها بين الايجابيات والسلبيات.. وعاد الي وطنه مستلها الايجابيات، ويحذر من*السلبيات.. وبهذا المنهاج صاغ ثقافة مصر، وطبع ثقافة الشرق،*واستحق أن يكون أبا*للشعب ـ كما قال أمير الشعراء.




 

No comments:

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...